تقلبات سوق الأسهم | دليل المستثمرين للتعامل معها والاستفادة منها

يمثل سوق الأسهم بيئة ديناميكية تتسم بالتغير المستمر في أسعار الأوراق المالية. فما يلفت الانتباه هو أن هذه التقلبات لا تقتصر على الأطر الزمنية الطويلة فحسب، بل تمتد لتشمل المستويات المتوسطة والقصيرة أيضاً، هذا التذبذب المتكرر في الأسعار يجعل عملية اتخاذ قرارات الاستثمار مسألة معقدة تتطلب دراسة متأنية وتحليلًا دقيقًا.

تعريف التقلبات (التذبذب)

يعتبر التذبذب أحد أهم المفاهيم التي تشغل بال المستثمرين والمحللين الماليين على حد سواء. فما هو التذبذب بالضبط؟ وكيف يؤثر على أداء الأسواق؟

ببساطة، يمكن تعريف التذبذب في سوق الأسهم على أنه مدى تقلب أسعار الأوراق المالية حول متوسطها خلال فترة زمنية محددة. بعبارة أخرى، هو مقياس لمدى سرعة وحدة أسعار الأسهم وارتفاعها وانخفاضها، فكلما زاد حجم التذبذب، دل ذلك على أن الأسعار تشهد تقلبات أكبر وأكثر حدة، والعكس صحيح.

ما سبب أهمية قياس التذبذب؟

يعد قياس التذبذب أداة أساسية في عالم المال والأعمال حيث تتمثل أهميته فيما يلي:

تقييم المخاطر

يعتبر التذبذب في أسعار الأوراق المالية مؤشراً حيوياً للمستثمرين، إذ يكشف عن مستوى المخاطر التي قد يتعرضون لها. فكلما زاد حجم التقلبات في سعر سهم ما، زادت احتمالية تعرض المستثمرين لخسائر مالية.

يمكننا أن نستلهم من قرار المستثمر الشهير وارن بافت بيع نصف حصته في شركة آبل مثالاً واضحاً على أهمية التذبذب في اتخاذ القرارات الاستثمارية. فقد شهد سهم آبل خلال الفترة الممتدة من بداية يوليو وحتى بداية أغسطس 2024 تقلبات حادة، حيث سجل انخفاضاً بنسبة 8% بعد أن حقق ارتفاعاً مماثلاً في الشهر السابق.

هذه التقلبات العنيفة في السعر، والتي تعكس عدم الاستقرار في أداء الشركة، دفعت بافت، المعروف بحذره وحرصه على الاستثمارات المستدامة، إلى اتخاذ قرار التخارج من جزء كبير من استثماره في الشركة.

إن قرار بافت يعكس بوضوح أن المستثمرين الحكماء لا يعتمدون فقط على النظرة طويلة الأجل، بل يأخذون في الاعتبار أيضاً التغيرات قصيرة الأجل في الأسعار والتذبذبات التي قد تشير إلى وجود مخاطر محتملة. فالتقلبات الشديدة لا تقتصر على التأثير على قيمة الاستثمارات الحالية فحسب، بل قد تشير أيضاً إلى وجود تحديات مستقبلية قد تواجه الشركة، مما يجعل الاستثمار فيها أقل جاذبية.

اتخاذ قرارات الاستثمار

يمثل التذبذب في أسعار الأوراق المالية بمثابة بوصلة توجه المستثمرين في رحلتهم الاستثمارية.

فهو يساعدهم على تقييم المخاطر المرتبطة بكل استثمار واتخاذ قرارات أكثر استنارة.

ففي أوقات عدم اليقين الاقتصادي، يفضل المستثمرون عادةً الاستثمارات ذات التذبذب المنخفض، أي تلك التي تتسم باستقرار نسبي في أسعارها.

أما في فترات الازدهار الاقتصادي، فقد يكونون أكثر ميلاً إلى المخاطرة والاستثمار في الأصول ذات التذبذب العالي، والتي قد تحقق عوائد أعلى ولكنها تحمل في الوقت نفسه مخاطر أكبر.

شركة تسلا تعد مثالاً صارخاً على تأثير التذبذب على أداء الأسهم. فمنذ بداية أغسطس 2023 وحتى بداية أغسطس 2024، شهد سهم تسلا انخفاضاً حاداً بنسبة 20%. يعود السبب الرئيسي لهذا الانخفاض إلى التذبذبات الشديدة التي شهدها السهم خلال هذه الفترة.

ففي ظل سيادة جو من عدم اليقين في الأسواق، فقدت ثقة المستثمرين في الشركة، مما أدى إلى هروبهم من أسهمها.

أحد أهم المؤشرات على هذا التراجع في ثقة المستثمرين هو انخفاض مضاعف ربحية سهم الشركة بشكل كبير.

ففي منتصف عام 2022، كان مضاعف ربحية سهم تسلا قد وصل إلى 108، مما يعكس توقعات المستثمرين بأن الشركة ستحقق أرباحاً مرتفعة في المستقبل. إلا أن هذا الرقم تراجع إلى النصف تقريباً خلال العامين التاليين، وذلك بسبب التشكيك المتزايد في قدرة الشركة على تحقيق توقعات المستثمرين، وبسبب ازدياد عدد الشركات المنافسة، وتحسنها من حيث القدرات الإنتاجية والكفاءة.

إدارة المخاطر

إن التذبذب المتأصل في أسواق المال يمثل تحديًا كبيرًا للمستثمرين. لحماية محافظهم الاستثمارية من تقلبات السوق، يلجأ المستثمرون الحذرون إلى مجموعة من الاستراتيجيات، مثل توزيع الأصول وتحديد نقاط الخروج المسبقة للخسارة. هذه الاستراتيجيات تساعد على تقليل التأثير السلبي للتقلبات السعرية المفاجئة.

ومع ذلك، فإن التركيز الزائد على التذبذب غالبًا ما يقود المستثمرين نحو عالم التداول اليومي والمضاربة.

فالمتداولون اليوميون يستغلون التقلبات السريعة في الأسعار لتحقيق أرباح سريعة، لكن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، حيث تتطلب مهارات عالية وتوقعات دقيقة لحركة الأسعار.

والأهم من ذلك، أن الإحصائيات تشير إلى أن نسبة كبيرة من المتداولين اليوميين لا يحققون أرباحًا على المدى الطويل.

لذلك، يجب على المستثمرين تحقيق التوازن بين إدارة المخاطر والتركيز على الاستثمار طويل الأجل.

فبينما يساعد التداول قصير الأجل على الاستفادة من الفرص قصيرة الأجل، فإن الاستثمار طويل الأجل يركز على النمو المستدام للمحفظة.

المؤشرات المستخدمة لقياس التذبذب

هناك العديد من المؤشرات المستخدمة في قياس التذبذب ومن بينها:

المدى

يعرف المدى في سوق الأسهم بأنه الفرق بين أعلى وأدنى سعر لسهم خلال فترة زمنية محددة. مثلاً، إذا ارتفع سعر سهم من 70 ريالاً إلى 100 ريال خلال عام، فإن مداه يساوي 30 ريالاً.

قياس المدى مهم لفهم نطاق تحرك السهم وتوقع حركته المستقبلية. فمن المتوقع أن يتحرك السهم ضمن هذا المدى، إلا أن هذا الافتراض قد لا يكون دقيقًا دائمًا، خاصة في وجود الفقاعات.

الفقاعة هي حالة غير طبيعية في السوق تتميز بارتفاع حاد في أسعار الأصول بشكل غير مبرر، تليها انهيار حاد. يرى الخبير دان سوزوكي أن الفقاعة تتميز بانخفاض قيمة الأصول بأكثر من 50% خلال فترة قصيرة، مصحوبة بتقلبات سعرية حادة. ويعتبر البعض أن انخفاضًا بنسبة 20% خلال فترة قصيرة قد يشير إلى وجود فقاعة.

الانتباه للمقدمات المختلفة

لطالما اعتمد المستثمرون على تحليل الأنماط التاريخية في اتخاذ قراراتهم. فهم يبحثون عن تكرار الأحداث السابقة لتوقع ما قد يحدث في المستقبل. ولكن، كما يشير المستثمر الشهير جون بوغل، هناك عامل آخر لا يقل أهمية عن تحليل الأنماط التاريخية، وهو ما يسميه "المقدمات المختلفة".

"المقدمات المختلفة" تشير إلى التغيرات الجذرية في الظروف الاقتصادية والسياسية التي تؤدي إلى نتائج غير متوقعة. قد تكون هذه التغيرات نتيجة لتطورات تكنولوجية جديدة، أو تغييرات في السياسات الحكومية، أو أزمات عالمية.

أزمة الرهن العقاري عام 2008 هي مثال كلاسيكي على كيفية تأثير "المقدمات المختلفة" على الأسواق المالية. قبل الأزمة، شهد العالم سلسلة من الأحداث الاقتصادية غير المسبوقة، بدأت بأزمة أسواق المال الآسيوية في عام 1998. استجابة لهذه الأزمة، قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة بشكل حاد.

هذا الانخفاض الحاد في أسعار الفائدة، إلى جانب السياسات الحكومية التي شجعت على تملك المنازل، أدى إلى ظهور فقاعة عقارية كبيرة.

ومع ذلك، لم يكن هذا السيناريو متوقعًا بناءً على تحليل الأنماط التاريخية.

ففي الماضي، لم تشهد الأسواق الأمريكية مثل هذه التوسعات السريعة في الائتمان أو مثل هذه السياسات التيسيرية.

إن انفجار فقاعة العقارات عام 2008 أظهر بوضوح أن الاعتماد الكلي على تحليل الأنماط التاريخية قد يكون مغريًا، ولكنه قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

فالسوق ليس كائنًا حيًا يتبع نفس الأنماط مرارًا وتكرارًا، بل هو نظام ديناميكي يتأثر بعوامل متعددة ومتغيرة.

لذلك، يجب على المستثمرين أن يكونوا حذرين من الاعتماد الكلي على التحليل التقني أو الأساسي. فبينما يمكن أن يوفر هذان النوعان من التحليل رؤى قيمة، إلا أنهما لا يأخذان في الاعتبار "المقدمات المختلفة" التي قد تغير قواعد اللعبة.

الانحراف المعياري

الانحراف المعياري هو أحد أهم الإحصائيات المستخدمة في قياس التذبذب في أسواق الأسهم. يشير هذا المقياس إلى مدى تباعد أسعار سهم معين عن متوسط سعره خلال فترة زمنية معينة. بعبارة أخرى، يعطينا الانحراف المعياري فكرة عن مدى تقلب سعر السهم حول متوسطه.

فكلما ارتفع الانحراف المعياري لسهم معين زادت درجة تقلب سعره، وبالتالي زادت المخاطر المرتبطة بالاستثمار في هذا السهم.

وللانحراف المعياري أهمية أخرى تتمثل في استخدامه من قبل المستثمرين، والمتداولين لتقييم المخاطر المحتملة قبل اتخاذ قرارات الاستثمار، فالسهم ذو الانحراف المعياري المنخفض يعتبر أقل تقلبًا، وأقل مخاطرة من السهم ذو الانحراف المعياري المرتفع.

وبالإضافة إلى ما سبق يساعد الانحراف المعياري في بناء محافظ استثمارية متنوعة، حيث يمكن للمستثمرين توزيع استثماراتهم بين الأصول ذات مستويات مختلفة من التذبذب.

يمكننا توضيح حدود الاعتماد على مؤشرات مثل المدى والانحراف المعياري من خلال النظر في حالة شركة فايزر، فقبل انتشار جائحة كوفيد-19، تحديداً في أغسطس 2019، كان سعر سهم فايزر يتحرك ضمن نطاق ضيق نسبيًا ولم يتجاوز 35 دولارًا أمريكيًا.

هذا الاستقرار الظاهري في السعر، والذي قد يوحي للمستثمرين بأن السهم سيبقى ضمن هذا النطاق، تغير جذريًا مع بداية الجائحة.

فمع نجاح الشركة في تطوير لقاح فعال ضد الفيروس، شهد سعر سهمها ارتفاعًا حادًا وغير متوقع ليصل إلى 60 دولارًا للسهم في ديسمبر 2021، مما يدل على أن الأحداث غير المتوقعة يمكن أن تغير بشكل كبير مسار أي سهم بغض النظر عن المؤشرات التقليدية، إلا أن ذلك لم يستمر على المدى الطويل ليعود للتراجع الحاد ليصل لمستويات 30 دولار في بداية 2024.

ويعكس هذا تطبيق المدى والانحراف المعياري ونطاق بولينجر، وهو أحد أساليب الانحراف المعياري المستخدمة في سوق الأسهم لقياس مدى التقلب في السوق، ومستويات الدعم والمقاومة، لكنه غير فعال في غالبية الحالات وما هو إلى وسيلة للاسترشاد في حالة المضاربة.

باختصار، يعتبر التذبذب في أسواق الأسهم مؤشرًا حيويًا للمستثمرين، فمن خلال فهم مدى تقلب سعر سهم معين، يمكن للمستثمر اتخاذ قرارات استثمارية أكثر استنارة، فبدلاً من الاعتماد على التذبذب لتحديد نقاط الدخول والخروج من السوق، يجب أن يستخدمه المستثمر لتقييم المخاطر المرتبطة بكل استثمار، فالأوراق المالية ذات التذبذب المنخفض قد تكون أكثر ملاءمة للمستثمرين الذين يبحثون عن الاستقرار، بينما قد تجذب الأوراق المالية ذات التذبذب المرتفع المستثمرين الذين يتحملون المخاطر بحثًا عن عوائد أعلى.