تسعى أوروبا لتأمين سلسلة إمداداتها من الرقائق الإلكترونية الحيوية، ففي خطوة استراتيجية، أعلنت عملاق صناعة أشباه الموصلات التايواني، شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات عن بدء عمليات بناء أول مصنع لها في القارة العجوز، وذلك في شرق ألمانيا.
يأتي هذا الاستثمار الضخم في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والصين توترات متزايدة، مما يزيد من أهمية تنويع مصادر الإمداد وتقليل الاعتماد على منطقة آسيا.
من المتوقع أن يساهم هذا المشروع العملاق في تعزيز مكانة ألمانيا كمركز صناعي عالمي، ويساهم في خلق آلاف فرص العمل الماهرة في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.
أكد المستشار الألماني أولاف شولتز، خلال حفل تدشين مصنع أشباه الموصلات الجديد في دريسدن، على أهمية هذا المشروع الاستراتيجي لألمانيا وأوروبا.
وأشار شولتز إلى أن الاعتماد على أشباه الموصلات أمر حيوي لمستقبل التكنولوجيا، مؤكداً على ضرورة تقليل الاعتماد على الخارج في هذا المجال الحساس.
وبهذه الخطوة، تسعى ألمانيا إلى تعزيز أمنها الاقتصادي والتكنولوجي، وتقليل تعرضها للتقلبات العالمية في سلاسل الإمداد.
تتصدر ألمانيا قيادة الاتحاد الأوروبي في سباق عالمي لتأمين إمدادات الرقائق الإلكترونية ففي سعيها لبناء قدرات تصنيع محلية، تسعى ألمانيا إلى جعل القارة العجوز منتجة لخُمس الرقائق العالمية بحلول عام 2030.
تأتي هذه الخطوة الاستراتيجية في ظل التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19، والتوترات المتزايدة في العلاقات الدولية، مما أبرز أهمية تنويع سلاسل الإمداد وتقليل الاعتماد على الخارج.
تعد شركة TSMC العملاق التايواني لصناعة الرقائق الإلكترونية شريكًا استراتيجيًا للعديد من الشركات العالمية الرائدة، بما في ذلك عملاقي التكنولوجيا آبل وإنفيديا. ولتلبية الطلب المتزايد على الرقائق المتقدمة، قررت TSMC الاستثمار في أوروبا من خلال إنشاء مصنع جديد في مدينة دريسدن الألمانية، والذي سيغطي 70% من إجمالي إنتاج المصنع.
ومن المتوقع أن يساهم هذا المصنع في تعزيز مكانة ألمانيا كمركز صناعي عالمي، وتلبية احتياجات قطاعي السيارات والصناعة من الرقائق المتخصصة.
شهد حفل تدشين مصنع الرقائق الجديد في دريسدن حضورًا لافتًا لكبار الشخصيات العالمية، حيث شارك الرئيس التنفيذي لشركة TSMC، سي سي وي، إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
كما حضر الحدث قادة كبرى شركات صناعة الرقائق في أوروبا، مثل Infineon Technologies و NXP Semiconductors و Robert Bosch، والتي تساهم جميعها بنسبة 10% في هذا المشروع الاستراتيجي الذي يعكس التعاون الدولي المتزايد في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
برز المستشار الألماني أولاف شولتز كقائد حقيقي في دفع عجلة صناعة أشباه الموصلات في أوروبا، فقد تبنى شولتز رؤية طموحة لجعل ألمانيا مركزًا عالميًا للتكنولوجيا، وذلك من خلال تعزيز قطاع صناعة الرقائق وتأمين إمداداتها المستدامة للشركات المصنعة الألمانية.
تعتزم الحكومة الألمانية ضخ استثمارات ضخمة في قطاع صناعة الرقائق الإلكترونية، حيث خصصت مبلغ 20 مليار يورو لدعم الإنتاج المحلي، ويشمل هذا المبلغ استثمارات في مصنع شركة TSMC، بالإضافة إلى تقديم منحة بقيمة 10 مليارات يورو لمشروع شركة Intel Corp في مدينة ماغديبورغ، مما يعكس الالتزام الحكومي بتعزيز قدرات ألمانيا التكنولوجية.
أعلنت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، خلال الحفل أن الاتحاد الأوروبي قد أقرّ منح ألمانيا دعمًا ماليًا بقيمة 5 مليارات يورو لتمويل مصنع الرقائق الجديد في دريسدن، مما يعكس الالتزام الأوروبي بتعزيز قدرات القارة في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
يأتي إنشاء هذا الموقع الجديد في إطار سعي أوروبا الحثيث لتقليص اعتمادها على آسيا في مجال توريد التكنولوجيا الحيوية. هذا التحول الاستراتيجي يأتي كرد فعل على اهتمام متزايد من شركات صناعة السيارات الألمانية الرائدة، مثل فولكس فاغن وبورش، بتعزيز إنتاج الرقائق محليًا، مما يعزز من قدرة القارة على المنافسة في هذا القطاع الحيوي.
ومن المقرر البدء بالإنتاج بحلول نهاية عام 2027.
أثبتت أزمة نقص أشباه الموصلات خلال جائحة كوفيد-19 أن هذه الرقائق الصغيرة تلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد العالمي، وقد أظهر هذا النقص مدى ضعف الاقتصادات في مواجهة اضطرابات سلاسل التوريد، مما دفع الحكومات إلى إعادة تقييم سياساتها وإعطاء الأولوية لضمان استمرارية إنتاج أشباه الموصلات.
أشعل التنافس التكنولوجي المتزايد بين الولايات المتحدة والصين فتيل أزمة أشباه الموصلات العالمية، فبينما تسعى الصين جاهدة لتصبح قوة عالمية في صناعة الرقائق وتقلل من اعتمادها على التكنولوجيا الغربية، تحاول الولايات المتحدة فرض قيود على صادرات التكنولوجيا إلى الصين بدعوى مخاوف أمنية، مما يزيد من حدة التوترات الجيوسياسية ويؤثر سلبًا على سلاسل الإمداد العالمية.
أدت التوترات المتصاعدة حول مستقبل تايوان، التي تضم أكبر مصانع شركة TSMC لإنتاج الرقائق المتقدمة، إلى تسريع خطط الشركة للتوسع خارج الجزيرة. فمع اعتبار بكين لتايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، فإن أي تصعيد في التوتر قد يؤدي إلى حصار اقتصادي أو صراع مسلح يعطل سلاسل الإمداد العالمية بشكل كبير.
وفي هذا السياق، أقدمت TSMC على افتتاح أول مصنع لها في اليابان هذا العام، كما تعهدت ببناء عدة مصانع متقدمة في الولايات المتحدة، مما يعكس حرص الشركة على تأمين إمداداتها العالمية وتقليل المخاطر الجيوسياسية.