في مسعى لضمان تدفق السيولة في الأسواق المالية، نفذ البنك المركزي الصيني (بنك الشعب الصيني) اليوم عملية شراء أوراق مالية بقيمة 182 مليار يوان (25.96 مليار دولار أمريكي) من البنوك التجارية، مع اتفاق على إعادة بيعها إليها بعد سبعة أيام بسعر فائدة 1.5%.
حيث تسعى هذه الخطوة بشكل أساسي إلى ضمان استقرار السيولة في النظام المصرفي خلال الفترة الانتقالية بين الربعين الثالث والرابع من العام الحالي، وذلك وفقاً لما أوردته وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا".
وتعتبر إعادة الشراء العكسية أداة من أدوات السياسة النقدية، حيث يقوم البنك المركزي من خلالها بشراء أوراق مالية من البنوك التجارية في إطار اتفاقيات إعادة شراء، بهدف إدارة السيولة في النظام المصرفي وتحقيق الأهداف النقدية المحددة.
وفي خطوة غير مسبوقة منذ تخفيف قيود جائحة كوفيد-19، أعلن البنك المركزي الصيني عن مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تنشيط قطاعي الاستهلاك والعقارات، وذلك في محاولة لإنعاش الاقتصاد الصيني الذي يواجه تحديات كبيرة.
ورغم مرور فترة زمنية معتبرة منذ تخفيف القيود الصحية التي فرضتها الجائحة، والتي أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، إلا أن مؤشرات التعافي الاقتصادي لا تزال دون المستوى المأمول.
وتعاني البلاد من مجموعة من التحديات الاقتصادية، أبرزها الأزمة العقارية، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وتباطؤ النمو الاستهلاكي، مما يزيد من احتمالية دخول الاقتصاد في حالة ركود، ويستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لإنعاش النشاط الاقتصادي.
وتطمح السلطات الصينية إلى تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5% في إجمالي الناتج المحلي للعام 2024، وهو هدف طموح بالنظر إلى التحديات الاقتصادية الراهنة التي تواجهها البلاد.
ما الذي حدث في بورصة شنغهاي يوم الجمعة؟
أحدثت سلسلة الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة الصينية هذا الأسبوع، والتي تهدف إلى تحفيز الاقتصاد وزيادة السيولة، ضجة كبيرة في الأسواق العالمية. هذه الإجراءات دفعت بالأسهم الصينية إلى تحقيق مكاسب قوية.
وقد أعلن بنك الشعب الصيني عن تعديلات جوهرية على سياسته النقدية، شملت خفض أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري وتخفيف الشروط المتعلقة بالقروض العقارية، وذلك في إطار الجهود المبذولة لتحفيز قطاع العقارات وتعزيز النمو الاقتصادي.
وإلى جانب خفض سعر الفائدة على قروض الرهن العقاري، اتخذ بنك الشعب الصيني إجراءات إضافية لتحفيز الاقتصاد، شملت تخفيض سعر الريبو العكسي، وهو ما يعني خفض تكلفة الاقتراض للبنوك، بالإضافة إلى تخفيض الاحتياطي الإلزامي للبنوك، مما يزيد من السيولة المتاحة للإقراض بقيمة تزيد عن 140 مليار دولار، كما تم خفض الفائدة على القروض متوسطة الأجل.
وقد أحدثت هذه الأنباء موجة من التفاؤل في الأسواق العالمية، حيث سجلت الأسهم الصينية أكبر ارتفاع أسبوعي لها منذ عام 2008، ووصلت إلى أعلى مستوى لها خلال العام. كما أن هذه الأخبار الإيجابية دفعت الأسواق الأوروبية إلى تحقيق أرقام قياسية وساهمت في ارتفاع الأسواق الآسيوية الأخرى.
لكن رغم الحماس الكبير الذي شهدته الأسواق واستحواذها على اهتمام المستثمرين، مما أدى إلى زيادة غير مسبوقة في حجم التداول، إلا أن هذا الارتفاع الحاد في النشاط تسبب في بعض المشاكل التقنية، حيث أدت الضغوط المتزايدة على أنظمة التداول إلى حدوث خلل وتأخيرات في تنفيذ الأوامر، مما أسفر عن خسائر لبعض المستثمرين.
ثم ماذا حدث؟
شهدت بورصة شنغهاي، في أول ساعة من تداولات يوم الجمعة، ارتفاعاً حاداً في حجم التداول وصل إلى 710 مليارات يوان (101 مليار دولار). إلا أن هذا النشاط الاستثنائي أدى إلى اختلال في أنظمة التداول، مما تسبب في تأخيرات في معالجة الطلبات، وهو ما أكدته رسائل من شركات الوساطة المالية.
ثم أعلنت بورصة شنغهاي عن وجود خلل في نظام التداول أدى إلى تباطؤ غير طبيعي في تنفيذ الصفقات خلال بداية جلسة التداول يوم الجمعة، وأكدت البورصة أنها تعمل على التحقيق في أسباب هذه المشكلة، وتعهدت بإبقاء المستثمرين على اطلاع دائم بآخر التطورات.
ورغم الارتفاع الملحوظ في مؤشر شنتشن المركب بنسبة 4.4% خلال الساعة التي بدأت من الساعة 10:10 صباحًا، ظل مؤشر شنغهاي المركب ثابتًا تقريبًا خلال نفس الفترة الزمنية، مما يشير إلى أداء مختلف تمامًا بين المؤشرين الرئيسيين في السوق الصينية.
ثم استعادت بورصة شنغهاي عملها بشكل طبيعي بحلول الساعة 11:13 صباحًا، بعد أن شهدت اضطرابات في التداول في وقت سابق. وقد قدمت البورصة اعتذارًا رسميًا للمستثمرين عن أي إزعاج تسبب لهم بسبب هذا العطل الفني.
لكن رغم انخفاض حجم التداول بشكل ملحوظ بعد الساعة الواحدة ظهراً، إلا أن العديد من المتداولين أشاروا إلى استمرار مواجهتهم لـتأخيرات في تنفيذ أوامرهم. وهذا يشير إلى أن المشكلة التقنية التي عانت منها البورصة لم يتم حلها بالكامل.
ومن جهته أشار مدير الصناديق في شركة "شاندونج كاميل" إلى أن التباطؤ الذي شهدناه في التداول يذكره بفترة مماثلة خلال الصعود الكبير لسوق الأسهم في عام 2015، ورأى أن هذه المقارنة تحمل إشارات إيجابية بشكل عام.
رغم وصفه للمشكلة بأنها اضطراب صغير في التداول، أكد كاميل أن هذا الاضطراب تسبب في إزعاج كبير للمستثمرين والشركات الذين كانوا يتطلعون لزيادة استثماراتهم في هذا اليوم.
سبب حدوث ذلك
حققت الأسهم الصينية هذا الأسبوع قفزة قوية مكنتها من تعويض جميع الخسائر التي تكبدتها منذ بداية العام، وقد أدى هذا الارتفاع القوي إلى زيادة حجم التداول بشكل كبير، حيث تجاوز تريليون يوان في إحدى لحظات جلسة التداول يوم الجمعة، وهو رقم قياسي جديد لم يشهد له مثيل في الأشهر الأخيرة.
ليشهد سوق الأسهم الصينية إقبالاً كبيراً من المستثمرين الذين يسعون للاستفادة من الارتفاعات الحادة التي سجلتها الأسهم هذا الأسبوع، والتي بلغت نحو 16%. ويأتي هذا الإقبال المكثف تحسباً لعطلة الأسبوع الذهبي الطويلة التي تبدأ في الأول من أكتوبر، مما يزيد من وتيرة التداول.
وأعرب ديفيد تشاو، الخبير الاستراتيجي في شركة إنفيسكو لإدارة الأصول، عن مخاوفه بشأن حالة السوق خلال عطلة الأسبوع الذهبي. وأوضح تشاو أن المستثمرين الصينيين قد يشعرون بالقلق من استمرار ارتفاع أسواق هونج كونج أثناء غيابهم عن الأسواق، مما قد يدفعهم إلى اتخاذ قرارات استثمارية متسرعة عند عودتهم.
بالإضافة إلى حزمة التحفيز التي أعلن عنها الحزب الشيوعي الحاكم، فقد تعهد بتبني سياسات مالية ونقدية أكثر مرونة، مع التركيز بشكل خاص على وقف التدهور المستمر في قطاع العقارات، وتشير هذه الإجراءات الشاملة إلى عزم الحكومة على دعم الاقتصاد وتعزيز الثقة في المستقبل.
ووصف هاو هونغ، كبير الاقتصاديين في مجموعة جرو إنفستمنت، المشكلة الأخيرة في السوق بأنها نتيجة لـ "تحميل زائد" على نظام التداول، مشيراً إلى الإقبال الكبير من المستثمرين على تداول الأسهم.
يشعر المستثمرون بأن الأسهم الصينية لديها قدرة على تحقيق مكاسب أكبر، مما يدفعهم إلى الاستثمار فيها بشكل مكثف، ويؤكد بنك غولدمان ساكس في تقريره الصادر يوم الجمعة أن تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى السوق الصينية قد يزيد من قوة هذا الارتفاع.
وأشار استراتيجيو البنك في مذكرتهم إلى أنهم تلقوا طلبات للاستفسار من المستثمرين خلال اليومين الماضيين تفوق بكثير ما تلقوه خلال العام بأكمله، ويعكس هذا الإقبال الكبير قلق المستثمرين من تفويت فرصة الاستفادة من الارتفاع المتوقع في الأسهم الصينية.
وقد أعرب الملياردير الأمريكي ديفيد تيبر عن ثقته الكبيرة في الاقتصاد الصيني، مؤكدًا عزمه على زيادة استثماراته في مختلف القطاعات الصينية. وأرجع تيبر قراره هذا إلى التيسير النقدي الذي اتخذه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والذي من شأنه أن يخفف الضغوط عن الاقتصاد الصيني، معربًا عن دهشته من حجم التحفيز الذي قدمته السلطات الصينية.
من هم المتضررون؟
شهدت العقود الآجلة لسندات الحكومة الصينية طويلة الأجل أكبر انخفاض لها على الإطلاق يوم الجمعة، وذلك بالتزامن مع تحول كبير في سلوك المستثمرين الذين فضلوا توجيه استثماراتهم نحو الأصول الأكثر مخاطرة بدلاً من الأصول الآمنة مثل السندات الحكومية. ونتيجة لذلك، ارتفع عائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات بمقدار 5 نقاط أساس.
وتعرضت صناديق التحوط الكمية في الصين لخسائر مالية كبيرة بسبب الاستراتيجية التي اعتمدتها هذه الصناديق، والتي تقوم على بيع عقود آجلة للمؤشرات، ومع ارتفاع الأسعار بشكل غير متوقع، عانت هذه الصناديق من خسائر فادحة، وفي بعض الحالات، ساهمت المشاكل الفنية التي واجهتها البورصة في تفاقم هذه الخسائر.
وقد سجل مؤشر "سي إس آي 300" ارتفاعاً ملحوظاً في تعاملات يوم الجمعة، إلا أن أسهم البنوك المدرجة ضمن المؤشر سجلت أداءً أقل إيجابية، ويعزى هذا التباين في الأداء إلى مخاوف المستثمرين بشأن التداعيات المحتملة للسياسات الحكومية لدعم القطاع المصرفي على حقوق المساهمين.