تشهد أسواق النفط العالمية تقلبات حادة وتعرضاً لعوامل ضاغطة متعددة تهدد باستمرار الانزلاق في الأسعار، فبعد موجات صعود عابرة، يعجز الخام عن تثبيت مكاسبه والارتقاء بشكل مستدام. وتشير التوقعات الصادرة عن مؤسسة بايبر ساندلر إلى أن الضغوط الباعثة ستظل مسيطرة، مما يزيد من احتمالات هبوط الأسعار بشكل أكبر.
إن هذا التطور يأتي في ظل حالة من عدم اليقين تسود الأسواق العالمية، حيث تتفاعل عوامل جيوسياسية واقتصادية متشابكة، مما يزيد من تعقيد المشهد ويصعب التنبؤ بالاتجاه المستقبلي للأسعار، فمن جهة، تتزايد المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، والذي بدوره يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط. ومن جهة أخرى، تستمر المخزونات العالمية في الارتفاع، مما يضغط على الأسعار ويقلل من جاذبية الاستثمار في هذا القطاع.
العوامل الأساسية لهبوط أسعار النفط
يرى المحللون أن أسباب هذا التراجع المتوقع في الأسعار متعددة ومتشابكة، حيث تشمل تراجع الطلب العالمي على النفط، وتهديد زيادة الإنتاج، إضافة إلى التحديات الاقتصادية العالمية التي تؤثر بشكل مباشر على أسواق الطاقة:
الضعف المستمر في الطلب العالمي
تسلط بايبر ساندلر الضوء على مؤشرات مقلقة للغاية، خاصة تلك الصادرة من الصين، أكبر مستهلك للنفط عالميًا. فوفقًا للبيانات المعدلة، تشير المخزونات المتزايدة والطلب المتراجع على المنتجات النفطية في الصين إلى انكماش كبير في استهلاكها للنفط.
حيث شهدت الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، انخفاضًا حادًا في الطلب على المنتجات النهائية بلغ 500,000 برميل يوميًا خلال الفترة من مارس إلى يوليو 2024 مقارنة بالعام السابق، دون أي مؤشرات على تحسن وشيك. ويعكس هذا التراجع ضعفًا ملحوظًا في الطلب على النفط في الاقتصادات الرئيسية الأخرى، حيث لا يزال النشاط الصناعي والنقل يعاني من الركود.
لم يقتصر الضعف في الطلب على النفط على الصين فقط، بل امتد ليطال الطلب العالمي على الديزل بشكل خاص. تشير البيانات إلى أن النمو العالمي للطلب على الديزل كان سالبًا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ولا يُتوقع أن يتحسن الوضع قريبًا. هذا يؤكد أن الطلب على نواتج التقطير المتوسطة بشكل عام يشهد ضعفًا ملحوظًا.
زيادة المخزونات (المعروض كافي)
أما بالنسبة للعرض، فتلوح في الأفق مؤشرات مقلقة. يشير هيكل الكونتانجو الثابت في سوق العقود الآجلة، حيث تتجاوز أسعار النفط المستقبلية أسعاره الحالية، إلى توقعات بزيادة في المعروض النفطي خلال الفترة المقبلة.
وعلى الرغم من الجهود المتكررة التي تبذلها منظمة أوبك وحلفاؤها لضبط إمدادات النفط، يحذر محللو بايبر ساندلر من صعوبة تحقيق الاستقرار في السوق، حيث تؤكد المذكرة أن المنظمة ستضطر إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، مثل تخفيضات إنتاجية أكبر، لضمان عدم انهيار الأسعار بشكل كبير خلال الربع الرابع من العام الحالي.
تواصل مستويات المخزون النفطي، وخاصة في الولايات المتحدة، الارتفاع بشكل مقلق، مما يساهم في تفاقم هذه المشكلة ضعف الطلب العالمي على النفط، إلى جانب الإنتاج القوي للدول الكبرى المنتجة مثل الولايات المتحدة والسعودية وروسيا.
إذ تؤدي مستوريات المخزون الكبيرة إلى خلق ضعف هبوطي إضافي على الأسعار حيث تكافح السوق لاستيعاب الفائض من المعروض.
التوترات العالمية وسياسات البنوك المركزية
تلقي الظروف الاقتصادية العالمية بظلالها على توقعات أسعار النفط، فمع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، والذي يتجلى بوضوح في انخفاض مؤشرات الإنتاج الصناعي والتجارة، فإن الطلب على النفط يتراجع بدوره، مما يساهم في الضغط على أسعاره.
حيث تؤكد المذكرة أن ارتفاع أسعار الفائدة، وخاصة في الولايات المتحدة، سيلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي، فمن المتوقع أن يؤدي هذا الارتفاع إلى تقليص الإنفاق الاستهلاكي والإنتاج الصناعي، مما سيؤدي بدوره إلى تراجع الطلب على النفط.
بالإضافة إلى ذلك، لم تنجح الجهود الصينية في تحفيز الاقتصاد بما يكفي لدعم أسعار النفط، على الرغم من التعديلات التي أدخلتها بكين على سياساتها الاقتصادية، إلا أن هذه الإجراءات لم تستطع دفع النمو الاقتصادي الصيني إلى مستويات كافية لزيادة الطلب العالمي على النفط بشكل ملحوظ.
في الختام، يؤكد التحليل الفني لسوق النفط على استمرار الاتجاه الهبوطي، فبعد اختراق مستويات الدعم الحيوية، لم تظهر أي مؤشرات على تحول محتمل في الاتجاه، هذا، إلى جانب تراجع المعنويات بشكل حاد، يشير إلى أن السوق النفطي يمر بفترة صعبة.