أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، في تصريحات صحفية عاجلة اليوم الجمعة، إلى احتمال تخفيف السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة من خلال خفض أسعار الفائدة. جاءت هذه الإشارة في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الأمريكي تحديات متزايدة، حيث أظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة تباطؤاً في النمو وارتفاعاً في معدلات البطالة.
ومع ذلك، حرص باول على التأكيد على أن أي قرار بشأن خفض أسعار الفائدة سيتوقف على تطور الأوضاع الاقتصادية بشكل عام، وتحديداً على مدى نجاح البنك المركزي في تحقيق أهدافه المتعلقة بالتحكم في التضخم ودعم الاستقرار المالي. كما تجنب باول تقديم أي توقعات زمنية محددة بشأن موعد تنفيذ هذا التغيير النقدي، مشدداً على أن قرارات لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية ستستند إلى أحدث المعلومات المتاحة.
فقد أعلن رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي، في خطاب هام ألقاه خلال المؤتمر السنوي في جاكسون هول، عن الحاجة الملحة لتغيير السياسة النقدية الحالية. وأشار إلى أن البنك يدرس خفض أسعار الفائدة، مشددًا على أن هذا القرار سيتخذ بناءً على تحليل مستمر للبيانات الاقتصادية والتوقعات المستقبلية.
ومع انتظار الأسواق للاتجاه الذي سوف تتجه إليه السياسة النقدية ركز بأول كثيرًا على ألقاء نظرة للخلف على ما تسبب في التضخم الذي أدى إلى سلسلة من 13 زيادة في أسعار الفائدة ابتداءً من مارس 2022 إلى يوليو 2023.
على الرغم من ذلك، ذكر أن هناك تحسن في مشكلة التضخم، وأن البنك المركزي الأمريكي يمكنه الآن التركيز على منع حدوث أزمة اقتصادية,
يأتي هذا الخطاب مع معدل التضخم الذي يتراجع باستمرار إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يبلغ 2% رغم أنه لم يصل إليه بعد، وأظهر مقياس يفضل بنك الاحتياطي الفيدرالي قياس التضخم مؤخرًا أن المعدل بلغ 2.5% انخفاضًا من 3.2% قبل عام وبعيدًا عن ذروته فوق 7% في يونيو 2022.
لكن رغم الهدوء الظاهري في سوق العمل، تشير الإحصائيات إلى ارتفاع تدريجي ومستمر في معدل البطالة، والذي وصل مؤخرًا إلى 4.3%. هذه الزيادة، في منطقة تحذيرية قد تشير إلى اقتراب الركود، تتناقض مع تصريحات باول الذي يعزوها إلى زيادة أعداد الباحثين عن عمل وتباطؤ في خلق فرص عمل جديدة، بدلًا من ارتفاع حالات التسريح.
وقال: "كان هدفنا استعادة استقرار الأسعار مع الحفاظ على سوق عمل قوية، وتجنب الزيادات الحادة في البطالة". وأضاف: "في حين أن المهمة لم تكتمل بعد، فقد أحرزنا قدرًا كبيرًا من التقدم نحو هذه النتيجة".
وتشير توقعات الأسواق المالية إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد يبدأ في تخفيف سياسته النقدية عن طريق خفض أسعار الفائدة في شهر سبتمبر المقبل، وهذا التوقع يأتي رغم عدم تحديد رئيس البنك، جيروم باول، لجدول زمني محدد لبدء هذه الخطوة، وقد أشارت محاضر اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في يوليو إلى أن الغالبية العظمى من صناع القرار يرون أن خفض أسعار الفائدة في سبتمبر سيكون قرارًا مناسبًا، بشرط عدم ظهور أي بيانات اقتصادية مفاجئة تغير من هذا التصور.
ومن الجدير بالذكر أن العالم شهد في أوائل عام 2021 ارتفاعًا في معدلات التضخم للمرة الأولى منذ فترة، ومع ذلك، رفض رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وزملاؤه، بالإضافة إلى العديد من الخبراء الاقتصاديين في وول ستريت، فكرة تشديد السياسة النقدية في ذلك الوقت، وقد برروا موقفهم بأن ارتفاع التضخم كان "مؤقتًا" ويرجع إلى عوامل مرتبطة بالوباء، متوقعين أن تهدأ هذه الضغوط التضخمية تدريجيًا.
وعندما أصبح واضحًا أن ارتفاع التضخم ليس مقتصرًا على السلع الاستهلاكية فحسب، بل امتد أيضًا إلى قطاع الخدمات، قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي تغيير مساره وبدأ في اتباع سياسة نقدية أكثر تشددًا. وقد تجلى ذلك في رفع أسعار الفائدة بشكل متكرر، حيث زاد سعر الفائدة الأساسي بين عشية وضحاها بمقدار 5.25 نقطة مئوية، وذلك بعد أن كان قريبًا من الصفر في أعقاب الأزمة التي تسبب بها الوباء.