يُعرف سوق العملات والمعروف أيضًا باسم سوق الصرف الأجنبي (الفوركس) بأنه سوق يمكن فيه شراء وبيع مختلف العملات من قبل مشاركين مختلفين متواجدين بكافة دول العالم، ويلعب اليوم هذا السوق دورًا محوريًا في إدارة التجارة الدولية، لكن بعبارات أكثر بساطة ما هو سوق العملات؟ وما هو تاريخ نشأته؟
ما هو سوق العملات؟
سوق العملات هو السوق الذي يشارك فيه البائعون، والمشترون في شراء وبيع العملات الأجنبية، يُطلق على هذا السوق الذي يتم فيه شراء وبيع عملات البلدان المختلفة باسم سوق الصرف الأجنبي (الفوركس).
ويعرف الفوركس بأنه شبكة عالمية تتيح تبادل العملات في جميع أنحاء العالم، وسوق العملات هو المكان الذي يتم فيه تحديد أسعار صرف العملات المختلفة، ونظرًا إلى وجود شبكة عالمية من المراكز المالية التي تعمل على مدار الساعة فيه فيمكن اعتباره أكبر سوق مالي في العالم، ويتم إغلاقه في عطلات نهاية الأسبوع فقط.
نظرة تاريخية لنشأة سوق العملات (الفوركس)
يُعتقد أن تداول الفوركس يرجع إلى قرون عديدة حيث يعود تاريخه للفترة البابلية، ويجب على متداولي الفوركس أو الذين يفكرون بالتداول في سوق العملات الأجنبية فهم تاريخ تداول العملات، والأحداث التاريخية الأساسية التي ساهمت في تشكيل هذا السوق، وذلك لأنه قد تحصل أحداث مشابهة مرة أخرى مما يؤثر على المشهد التجاري.
كيف بدأ تداول الفوركس؟
نظام المقايضة كان طريقة التبادل الأقدم، وقد بدأت في عام 6000 قبل الميلاد مارستها قبائل بلاد ما بين النهرين، وبموجب نظام المقايضة يتم تبادل البضائع مقابل سلع أخرى، ثم تطور النظام، وأصبحت السلع مثل التوابل، والملح وسائل تداول معروفة، إذ كانت السفن تبحر محملة بالبضائع لمقايضتها ببضائع أخرى، وهذا كان أول شكل من أشكال العملات الأجنبية.
وفي وقتٍ مبكر من القرن السادس قبل الميلاد تم إصدار أولى العملات الذهبية وكانت بمثابة عملة لأنها تتمتع بخصائص مهمة مثل قابلية نقلها بسهولة، ومتانتها، وقبولها لدى الجميع، ومميزات أخرى.
بعد ذلك باتت العملات الذهبية مقبولةً جدًا باعتبارها وسيلة للتبادل، وفي القرن التاسع عشر اعتمدت الدول المعيار الذهبي الذي يضمن أي مبلغ من النقود الورقية وبالتالي ارتبطت قيمتها بالذهب.
كان ذلك مناسبًا حتى الحرب العالمية الأولى ففي ذلك الوقت اضطرت الدول الأوروبية إلى تعليق المعيار الذهببي لطباعة المزيد من الأموال لدفع ثمن الحرب.
كان سوق الصرف الأجنبي مدعومًا بمعيار الذهب في مرحلة أوائل القرن العشرين، وذلك شجع الدول على التداول بين بعضها البعض لأنها تستطيع تحويل العملات التي تلقتها إلى ذهب، إلا أن هذا المعيار لم يقدر على الصمود خلال الحروب العالمية.
ما هي الأحداث الرئيسية التي ساهم بتشكيل سوق الفوركس؟
على مر العصور شهدنا الأحداث الرئيسية التي أحدث تأثيرًا على بيئة تداول العملات الأجنبية، وفيما يلي أبرز النقاط:
اتفاقية بريتون وودز (1944 - 1971)
كان نظام بريتون وودز الذي حدث في نهاية الحرب العالمية الثانية أول تحول كبير في سوق الصرف الأجنبي، حيث اجتمعت الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا العظمى، في مؤتمر الأمم المتحدة المالي والنقدي في بريتون وودز وعُقد هذا الاجتماع بهدف تصميم نظام اقتصادي عالمي جديد، ومن خلاله تم إنشاء سوق صرف أجنبي مرتبط قابل للتعديل، وسعر الصرف المربوط القابل للتعديل هو سياسة سعر الصرف التي يتم بموجبها تثبيت العملة بعملة أخرى، وبهذه الحالة تُصلح الدول الأجنبية سعر صرف عملتها مقابل الدولار الأمريكي وذلك لأنه مرتبطًا بالذهب نظرًا إلى أن أمريكا كان لديها أكبر احتياطي من الذهب في العالم، وبهذا أصبح الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية في العالم.
في النهاية فشلت اتفاقية بريتون وودز بسبب عدم وجود ما يكفي من الذهب لدعم كمية الدولار الأمريكي المتداولة، حيث أنهى الرئيس ريتشارد نيكسون هذا النظام الذي سرعان ما سبب التعويم الحر للدولار الأمريكي مقابل العملات الأجنبية الأخرى.
بداية نظام العوم الحر
بعد فشل اتفاقية بريتون وودز جاءت اتفاقية سميثسونيان في عام 1971 والتي كانت مماثلة ولكنها سمحت بمجال تذبذب أكبر للعملات، وربطت الولايات المتحدة الدولار بالذهب عند 38 دولارًا للأونصة، وبالتالي خفّضت قيمة الدولار، وبموجب هذه الاتفاقية يمكن أن تتقلب العملات الرئيسية الأخرى بنسبة 2.25% مقابل الدولار الأمريكي المرتبط بالذهب.
في عام 1972 حاول المجتمع الأوروبي الابتعاد عن اعتماده على الدولار الأمريكي، وفي عام 1973 انهارت هذه الاتفاقية، وأدت تلك الاخفاقات إلى التحول الرسمي إلى نظام التعويم الحر.
اتفاق بلازا
في أوائل الثمانينيات، ارتفع سعر الدولار كثيرًا مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وشكّل ذلك صعوبة على المصدرين مما أدى إلى تعرض الحساب الجاري للولايات المتحدة لعجز قدره 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، واستجابةً للركود التضخمي رفع بول فولكر أسعار الفائدة ما ساهم في قوة الدولار الأمريكي لكنه أثر سلبًا على القدرة التنافسية للصناعة الأمريكية في السوق العالمية، وفي عام 1985 أرسلت مجموعة الخمسة (أقوى الاقتصادات في العالم) ممثلين لها إلى اجتماع كان يفترض أن يكون سريًا في فندق بلازا في نيويورك إلا أن أنباء الاجتماع تسربت مما أجبر مجموعة الخمس على إدلاء بيان يشجع على رفع قيمة العملات الأخرى (غير الدولارية) وتسببت أصداءه في خفض حاد في الدولار.
تأسيس اليورو
بعد الحرب العالمية الثانية، أبرمت أوروبا عدة معاهدات كان هدفها تقريب بلدان المنطقة من بعضها البعض، إلا أن معاهدة عام 1992 المسماة ماستريخت التي أنشأت الاتحاد الأوروبي (EU) وأدت إلى إنشاء عملة اليورو شكلت وحدة متماسكة تضمنت مبادرات حول السياسة الخارجية، والأمن، وتم تعديل المعاهدة مرات عدة، ولكن إطلاق اليورو أعطى البنوك والشركات الأوروبية فائدة مميزة تتمثل في إزالة مخاطر الصرف في اقتصاد دائم العولمة.
التداول عبر الإنترنت
في التسعينيات نمت أسواق العملات بشكل لافت وسريع أكثر من أي وقتٍ مضى، وذلك لأن المال وكيف ينظر الناس إليه ويستخدمونه كان يتغير، وأصبح كل شخص و بنقرة واحدة يستطيع إيجاد سعر دقيق للعملة التي يريدها وذلك بفضل التقدم في الاتصالات.
بالنسبة للفوركس تغير كل شيء، حيث أصبح متاحًا تداول العملات أكثر من أي وقت مضى والتي كانت متوفرة سابقًا فقط في الأنظمة السياسية الشمولية، وازدهرت الأسواق الناشئة مثل تلك الموجودة في جنوب شرق آسيا، وجذبت المضاربة على رأس المال، والعملات.
منذ عام 1944 وبفضل أسواق الفوركس خلقت القوى التنافسية سوقًا به سيولة لا مثيل لها، وانخفضت الفروق بشكل كبير مع زيادة المنافسة عبر الإنترنت بين المشاركين الجديرين بالثقة، إذ استطاع الأفراد الذين يتداولون بمبالغ كبيرة الآن الوصول إلى نفس شبكات الاتصالات الإلكترونية التي تستخدمها البنوك والتجار الدوليون، وأصبح اليوم سوق الفوركس هو أكبر سوق في العالم، يتم فيه تداول أكثر من 5 تريليونات دولار يوميًا.