يمكن إرجاع أصول التحليل الفني إلى العصور القديمة عندما كان المتداولون، والمستثمرون يسعون لإيجاد طرق يستطيعون من خلالها التنبؤ بحركات الأسعار المستقبلية في الأسواق المالية، حيث تمت ممارسة مفهوم تحليل بيانات الأسعار التاريخية لاتخاذ القرارات الاستثمارية منذ عدة قرون، وتطور هذا المفهوم مع مرور الوقت والتطور التكنولوجي.
تاريخ التحليل الفني
من الضروري فهم الأصول التاريخية للتحليل الفني وكيف تطور مع مرور الوقت إذا كنت متداولًا في سوق الأوراق المالية.
مخططات الشموع اليابانية: طريقة ثورية للتحليل الفني
يمكن العثور على أحد أقدم الأمثلة المعروفة عن التحليل الفني في اليابان خلال القرن السابع عشر، ففي ذلك الوقت طوّر تجار الأرز طريقة لتحليل أنماط الأسعار للتنبؤ بحركات سعر السوق المستقبلية على سبيل المثال العرض والطلب، وتتضمن هذه الطريقة والمعروفة باسم مخطط الشموع اليابانية استخدام تمثيلات رسومية تدرس حركة السعر لتحديد الاتجاهات، والأنماط، وفيا بعد أصبحت الرسوم البيانية بالشموع اليابانية أحد الأدوات الأساسية للتحليل الفني بوقتنا الحاضر.
خلال ذلك الوقت كانت اليابان تتمتع بسوق أرز مزدهر، وسعى التجار إلى إيجاد طرق للحصول على قرارات تجارية أفضل، ولاحظوا أن حركة السعر في السوق تتبع أنماطًا، واتجاهات محددة، وبدأوا في توثيق هذه الأنماط وتحليلها، وأدى ذلك إلى تطوير تقنية الرسم البياني بالشموع، والتي تضمن استخدام تمثيلات رسومية لتحركات الأسعار لتحديد الاتجاهات والأنماط.
ويعود الفضل في تطوير ونشر مخطط الشموع اليابانية إلى المحلل الفني وتاجر الأزر الياباني يُدعى هوما مونييسا، وغالبًا ما يُشار إليه إلى أنه والد الرسوم البيانية بالشموع، حيث سجّل هوما بدقة تحركات الأسعار، وحللها بمرور الوقت، وقد أدرك أن عواطف ونفسية المتداولين لها دور كبير في تكوين الأسعار، وحدد الأنماط المتكررة التي تعكس معنويات السوق.
على الرغم من أن الرسم البياني بالشموع كان يُستخدم لتحليل حركة سعر الأرز إلا أن مبادئه، وتقنياته طُبقت لاحقًا في كافة الأسواق .
شخصيات كان لها تأثير في التحليل الفني
أصبح العالم الغربي مدركًا لرسم الشموع اليابانية في الثمانينيات عندما قدّمه المحلل الفني والمؤلف الأمريكي ستيف نيسون للجمهور الغربي عبر كتابه "تقنيات رسم الشموع اليابانية" الذي لعب دورًا حاسمًا في تعريف الغرب على طريقة التحليل تلك، ثم اكتسب التحليل الفني مكانة بارزة في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، حيث كان تشارلز داو (المؤسس المشاركة لشركة داو جونز، ومؤسس مؤشر داو جونز الصناعي) أحد الشخصيات الرئيسية في تطوير هذا التحليل، حيث طوّر هذا الشخص نظريته التي أكدت على أهمية تحليل حركة السعر، والحجم، واتجاهات السوق لاتخاذ قرارات الاستثمار، إذ شكّلت نظرياته أساس التحليل الفني الحديث، وهي لا تزال مستخدمة على نطاق واسع حتى يومنا هذا.
ومن الشخصيات المؤثرة أيضًا ريتشارد ويكوف الذي كان تاجرٌ، ومنظّرٌ للسوق حيث طوّر طريقة لتحليل السعر، والحجم لتحديد أنماط العرض والطلب، وركّز عمله على فهم علم النفس وراء تحركات السوق الذي أصبح جانبًا مهمًا من جوانب التحليل الفني.
وبمرور الوقت اكتسب شهرة كبيرة، وانتشر في مختلف الأسواق حول العالم، إذ بدأ التجار والمستثمرون يستخدمون تقنيات الرسوم البيانية المختلفة مثل مؤشرات المتوسطات المتحركة، وخطوط الاتجاه، والمذبذبات لتحليل بيانات حركة السعر، واتخاذ قرارات مستنيرة.
التقدم التكنولوجي والتحليل الفني
أدى ظهور أجهزة الكمبيوتر، والتقدم التكنولوجي منذ منتصف القرن العشرين إلى إحداث ثورة في عالم التحليل، حيث أتاح التقدم التكنولوجي توفير بيانات تاريخية لحركة الأسعار، مع مساهمته في تطوير برامج قوية للمحللين تمكّنهم من معالجة كميات كبيرة من البيانات بسرعة وكفاءة، وأدى كل ذلك إلى إنشاء مؤشرات، وخوارزميات تقنية متطورة يمكنها تحديد الأنماط، والإشارات بدقة أكبر.
كيف هو حال التحليل الفني اليوم؟
اليوم يستمر استخدام هذا التحليل على نطاق واسع من قبل المتداولين، والمستثمرين في مختلف أسواق المال بما في ذلك الأسهم، والسلع، والعملات، والعملات الرقمية، كما ساهم كل من التداول الخوارزمي، والتعليم الآلي في تعزيز فعالية التحليل الفني في يومنا هذا.
مقدمة عن المؤشرات والمذبذبات في التحليل الفني
في عالم التحليل الفني تلعب المؤشرات والمذبذبات دورًا حيويًا في مساعدة المتداولين على اتخاذ قرارات مستنيرة، حيث توفر هذه الأدوات رؤى قيّمة حول اتجاهات السوق، والزخم، والانعكاسات المحتملة، مما يسمح للمحللين الفنيين بقياس قوة واتجاه حركة السعر، حيث يعد فهمها أمر بالغ الأهمية للفنيين الذين يتطلعون إلى تعزيز مهارات التحليل لديهم.
اكتسب استخدام المؤشرات والمذبذبات مكانة بارزة في منتصف القرن العشرين حيث سعى المتداولون إلى توفير طرق أكثر تطورًا لتحليل الأسواق المالية من الطرق السابقة التي كان يعتمد التحليل الفني عليها على سبيل المثال استخدموا أنماط الرسوم البيانية، وخطوط الاتجاه، حيث أدرك المتداولون الحاجة إلى أدوات إضافية يمكن أن توفر قياسات موضوعية، وبيانات كمية لاستكمال تحليلاتهم الفنية.
ويعد المتوسط المتحرك أحد أقدم المؤشرات وأكثرها استخدامًا، وهو الذي قدّمه المحلل الفني John Welles Wilder في الخمسينيات من القرن الماضي ليحسب من خلاله المتوسط المتحرك متوسط السعر خلال فترة محددة، وهذا يعمل على تخفيف التقلبات، وإبراز الاتجاهات، وقد أصبح أداة شائعة لتحديد مستويات الدعم والمقاومة، وتأكيد الاتجاهات.
تطور هام آخر في التحليل الفني كان بإدخال المذبذبات وهي مؤشرات تقيس سرعة وحجم تحركات الأسعار، وتوفر معلومات حول ظروف الدعم والمقاومة، ويعد مؤشر القوة النسبية (RSI) أحد أكثر مؤشرات التذبذب استخدامًا، وطوّر أيضًا من قبل John Welles Wilder ويقيس قوة وزخم اتجاه السعر، مما يشير إلى انعكاسات الاتجاه المحتملة.
ورغم أن المؤشرات والمذبذبات هي أدوات قيّمة لكن يبقى من المهم عدم الاعتماد عليها فقط في قرارات التداول، حيث يجب استخدامها جنبًا إلى جنب مع تقنيات التحليل الفني الأخرى، مثل أنماط الرسم البياني، وخطوط الاتجاه لتأكيد الإشارات، واكتساب فهم شامل لظروف السوق.
ختامًا، إنّ تاريخ التحليل الفني هو شهادة على السعي الدؤوب من المحللين الفنيين لفهم سلوك السوق وحركة السعر والتنبؤ بها، فمنذ بداياته المتواضعة على يد تجار الأرز اليابانيين وصولًا إلى الأدوات والتقنيات المتطورة المتاحة اليوم تطور ليصبح مُلبيًا لإحتياجات المتداولين الباحثين عن التميز في الأسواق المالية