تشهد أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا خلال العام الجاري مسجلةً مستويات قياسية لم تشهدها من قبل، ويعزو الخبراء الاقتصاديون ذلك الارتفاع إلى عدد من العوامل المتداخلة التي تزيد من جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن للاستثمار.
وأبرز هذه العوامل هي التصاعد المتزايد للمخاطر الجيوسياسية على الساحة العالمية، والتي تثير قلق المستثمرين وتدفعهم إلى تحويل استثماراتهم إلى أصول أكثر أمانًا مثل الذهب، كما يلعب عدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر اقتصاد في العالم دورًا هامًا في تعزيز الطلب على الذهب، وذلك لأن المستثمرين يبحثون عن ملاذ يحمي ثرواتهم من التقلبات الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى مشتريات البنوك المركزية، وتوقعات باتجاه البنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مما يقلل من العائد على الاستثمارات التقليدية مثل السندات، وبالتالي يدفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل ذات عائد أعلى مثل الذهب.
حيث شهدت اليوم الأربعاء أسعار الذهب قفزة تاريخية جديدة حيث لامست حاجز 2472.10 دولار للأوقية في تمام الساعة 8:55 صباحًا بتوقيت مكة المكرمة، محطمة بذلك كل الأرقام القياسية السابقة.
ورغم ذلك انخفض سعر التسليم الفوري للذهب 0.13% ما يعادل 2.14 دولار أمريكي إلى 2465.75 دولار للأوقية، وتراجعت عقود الفضة تسليم سبتمبر بنسبة 0.79% إلى 31.21 دولار، كما تراجع البلاتين الفوري 0.23% إلى 1001.88 دولار للأوقية.
وقد أكد أدريان آش مدير الأبحاث في شركة بوليون فالو، أن الذهب يتبع نفس الاتجاه الصعودي الذي تشهده الأسهم، والسندات حاليًا، ويرجع ذلك بحسب آش إلى استعداد الاحتياطي الفيدرالي لتخفيف سياسته النقدية، وخفض أسعار الفائدة، وهو ما يعتبر مؤشرًا على نجاح البنك المركزي في كبح جماح التضخم، فهذه الرؤية الإيجابية من قبل الخبراء تعزز التوقعات بارتفاع مستمر في أسعار المعدن الأصفر.
وإلى جانب خفض الفائدة الأمريكية الوشيك، وتصاعد التوترات الجيوسياسية كانت البنوك المركزية محركًا رئيسيًا لأسعار الذهب في عام 2023 وستظل كذلك هذا العام.
حيث شهد عام 2023 إقبالًا غير مسبوق على الذهب من قبل البنوك المركزية العالمية، إذ بلغ إجمالي مشترياتها 1037 طنًا مع استمرار هذا الاتجاه في الربع الأول من العام الجاري ب 290 طنًا إضافية، وذلك حسب أحدث البيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي، وتعتبر هذه الزيادة الكبيرة في مشتريات الذهب مؤشرًا واضحًا على الثقة المتزايد في المعدن الأصفر كملاذ آمن للاستثمار.
وأوضح جريجوري شيرر رئيس استراتيجية المعادن الأساسية والثمنية لدى جي بي مورجان أن لمستوى سعر الذهب تأثير ضئيل على الخطط طويلة الأمد لشراء الذهب من قبل البنوك المركزية، لذلك من المحتمل استمرار مشتريات البنوك المركزية ما يدعم حد أسعار الذهب الأدنى.
هل يُتوقع تسجيل الذهب مستويات أسعار قياسية أخرى؟
مع تجاوز أسعار الذهب للمستويات القياسية الحالية يطرح هذا السؤال نفسه: هل يمكن للمعدن الأصفر أن يشهد ارتفاعات جديدة في ظل التوقعات بخفض أسعار الفائدة؟ وهذا التساؤل يثير اهتمام المستثمرين والخبراء على حدٍ سواءٍ فهم يتطلعون إلى فهم الآفاق المستقبلية لسوق الذهب.
حيث أشار شيرر إلى أن الوضع الجيوسياسي المتوتر وزيادة العقوبات وجهود بعض الدول للتخلص من الدولار تلاحظ زيادة في الرغبة في شراء الأصول الحقيقة بما في ذلك الذهب.
وقد أكدت ناتاشا كانيفا رئيسة استراتيجية السلع العالمية في جيه بي مورجان أن أي تغيير في السياسات الاقتصادية الأمريكية سيكون له تأثير مباشر على أسواق المعادن الثمينة، وقد أوضحت كانيفا أن المستثمرين في الذهب والفضة وغيرها من المعادن النفسية يتابعون عن كثب التطورات في واشنطن، حيث أن أي تحول في السياسات النقدية، أو التجارية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على أسعار هذه المعادن.
وفي تقرير نشره البنك في الخامس عشر من هذا الشهر توقع ارتفاع أسعار الذهب إلى 2500 دولار للأوقية بحلول نهاية 2024، وإلى 2600 في نفس الفترة من العام القادم مع توقع بدء الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض الفائدة في نوفمبر المقبل مما يرفع أسعار الذهب نحو مستويات جديدة.
وتستند توقعات أسعار الذهب تلك إلى تقديرات جي بي مورجان الاقتصادية تشير إلى اعتدال التضخم الأساسي في الولايات المتحدة إلى 3.5% في عام 2024، و2.6% في عام 2025.