تعد العملات الرقمية والتكنولوجيا المالية اللامركزية من أبرز التطورات التي شهدها العالم في العقد الأخير، ومن بين هذه العملات برزت الإيثيريوم التي تميزت عن غيرها من العملات المشفرة بأنها ليست مجرد عملة رقمية بل هي منصة تمكّن المطورين من بناء تطبيقات اللامركزية، وأصبحت الإيثريوم أيضًا منصة شهيرة لإطلاق العملات الافتراضية الجديدة، ولإجراء عمليات التداول والمعاملات المالية بأمان وشفافية.
ما هو الإيثيريوم وكيف يعمل؟
الإيثريوم Ethereum هي عبارة عن منصة رقمية، أو شبكة تمكّن المطورين من بناء تطبيقات لامركزية (dApps) من خلال تقنية سلسلة الكتل البلوكتشين الخاصة بها، فعلى عكس التطبيقات التقليدية التي تتحكم فيها سلطة مركزية تعمل تطبيقات dApps على شبكة لامركزية من أجهزة الكمبيوتر مما يجعلها أكثر أمانًا، وشفافيةً، وأقل تعرضًا للرقابة.
داخل منصة الإيثريوم يوجد البلوكتشين وهو دفتر الأستاذ الرقمي الذي يسجل جميع المعاملات، والتفاعلات بين المستخدمين والتطبيقات اللامركزية، ويتم الاحتفاظ بالبلوكتشين بواسطة شبكة من أجهزة الكمبيوتر حول العالم (تسمى العقد)، التي تعمل معًا للتحقق من صحة المعاملات ثم إضافتها ككتلة إلى سلسلة الكتل (البلوكتشين).
تمتلك منصة الإيثيريوم عملة مشفرة أصلية تسمى إيثر (ETH) والتي تُستخدم لدفع رسوم المعاملات، وتحفيز العقد للحفاظ على الشبكة، ويمكن استخدام الإيثر كشكل من أشكال العملات الرقمية مثلها مثل البيتكوين.
تتمثل إحدى مهام الإيثريوم في قدرتها على تشغيل العقود الذكية التي تعد عقود ذاتية التنفيذ التي تتم من خلال كتابة شروط الاتفاقية بين المشترين، والبائعين مباشرةً عبر سطور من التعليمات البرمجية، وهذا يعني أنه يمكن تنفيذ شروط العقود تلقائيًا دون الحاجة لوجود وسطاء مثل المحامين، أو البنوك، ويمكن استخدام تلك العقود لمجموعة واسعة من التطبيقات ابتداءً من إنشاء هويات رقمية إلى إدارة لوجستيات سلسلة التوريد.
تاريخ الإيثيريوم
اقترح فيتاليك بوتيرين إيثيريوم في أواخر عام 2013 عندما كان عمره 19 عام فقط، قبل أن يترك عمله كمطور لمجلة بيتكوين لأنه شعر بالإحباط بسبب قيود بلوكتشين بيتكوين التي سببت عدم قدرته على دعم التطبيقات اللامركزية، وكان بوتيرين يعتقد أن هناك حاجة إلى بلوكتشين جديد يمتلك مجموعة واسعة من القدرات.
في أوائل عام 2014 نشر فيتاليك بوتيرين الورقة البيضاء للإيثيريوم والتي حددت رؤيته لمنصة جديدة قائمة على البلوكشتين من شأنها أن تمّكن المطورين من إنشاء تطبيقات لامركزية، وعقود ذكية، إذ يسمح البلوكتشين في إيثيريوم بتنفيذ التعليمات البرمجية بطريقة لامركزية موثوق بها.
سرعان ما اكتسبت رؤية بوتيرين دعمًا من عدد من الأشخاص في مجتمع العملة الرقمية وفي يوليو 2014 أُنشأت مؤسسة إيثيريوم للإشرف على تطوير النظام الأساسي الجديد، وتم إطلاق حملة التمويل اللامركزي الجماعي لجمع الأمول لتطوير الإيثيريوم، وخلال 42 يوم فقط جمع المشروع أكثر من 31000 بيتكوين بلغت قيمتها الإجماية 18 مليون دولار في ذلك الوقت.
تقدمت عملية تطوير المنصة بسرعة إلى أن أُطلق الإصدار الأول من إيثيريوم بلوكتشين المعروف باسم Frontier في يوليو 2015، ومنذ ذلك الوقت تطورت المنصة كثيرًا بإضافة العديد من التحديثات، والتحسينات على النظام الأساسي.
الفرق بين الإيثيريوم والبيتكوين
رغم أن كلا العملتين الرقميتين الإيثريوم والبيتكوين هي عملات رقمية لا مركزية إلا أن هناك بعض الاختلافات الرئيسية بين الاثنتين:
الغرض من إنشاء العملتين
أُنشأت عملة البيتكوين باعتبارها نظام نقدي إلكتروني من نظير إلى نظير، والهدف هو استخدامه كوسيلة لتبادل السلع والخدمات، أما عملة الإيثر فقد صُممت كمنصة لبناء التطبيقات اللامركزية (dApps) وتنفيذ العقود الذكية.
التكنولوجيا المستخدم
تُتستخدم تقنية البلوكتشين في عملة البيتكوين كسجل لتسجيل المعاملات، أما البلوكشتين في الإيثريوم فهو عبارة عن نظام أساسي أكثر تنوع يساعد المطورين على إنشاء وتشغيل التطبيقات اللامركزية، كما تستخدم المنصة آلية إجماع مختلفة تسمى Proof of Stake، وهذا يسمح بأوقات معاملات أسرع، واستهلاك طاقة أقل.
استخدام العملة المشفرة الخاصة بكلٍ منهما
لكل من بيتكوين، وإيثيريوم عملات مشفرة أصلية (BTC، وETH، على التوالي) وهما عملتان تختلفان بطريقة الاستخدام حيث تُستخدم البيتكوين BTC كمخزن للقيمة، ووسيلة للتداول، بينما تُستخدم الإيثر ETH لدفع رسوم المعاملات، وتحفيز العُقد للحفاظ على شبكة الإيثريوم، كما يمكن استخدام الإيثر كعملة في حد ذاتها، والاستفادة منها كوقود لتشغيل العقود.
طُرق تداول الايثيريوم
هُناك عدة طرق يمكنك من خلالها تداول Ethereum فأمامك عدة خيارات تناسبك سواء كنت متداولًا خبيرًا، أو مبتدئًا:
تبادل الإيثيريوم كعملة مشفرة
الطريقة الأكثر شهرة لتداول الإيثريوم هي من خلال تبادلها كعملات رقمية عبر منصات على الإنترنت تتيح للمستخدمين شراء وبيع العملات الرقمية بما في ذلك عملة الإيثر، ومن المنصات الشائعة أذكر لك منصة بينانس Binance، وCoinbase، وKraken، وGemini، لكن للتداول في مثل تلك المنصات يحتاج المستخدمون إلى إنشاء حساب والتحقق من هويتهم، ثم إيداع الأموال في حساباتهم.
التداول من نظير إلى نظير
يتضمن تداول العملات من نظير إلى نظير شراء وبيع عملة الإيثر مباشرة مع أفراد آخرين دون الحاجة إلى التبادل، ويمكن إجراء التداول من شخص إلى آخر في الأسواق عبر الإنترنت مثل LocalEthereum، وLocalBitcoins، أو من خلال مجموعات، أو منتديات وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ضع في اعتبارك أن طريقة تداول الإيثيريوم هذه قد تكون أكثر خطورة من غيرها بسبب عدم وجود وسيط يتحقق من هوية الطرف الآخر، أو بتدخل في حال النزاعات.
تداول الإيثريوم عبر عقود الفروقات
العقود مقابل الفروقات هي أدوات مالية تسمح للمتداولين بالمضاربة على سعر الإيثيريوم دون امتلاك الأصل الأساسي، وباستخدامها يستطيع المتداولون شراء أو بيع الإيثريوم، والربح من تحركات الأسعار، وعادة ما تُقدّم العقود مقابل الفروقات من قبل الوسطاء عبر الإنترنت، والتي يمكن تداولها برافعة مالي إما أن تضخم المكاسب، أو تضاعف الخسائر.
العقود الآجلة
تعرف العقود الآجلة بأنها اتفاقيات لشراء، أو بيع كمية محددة من الإيثريوم بسعر محدد مسبقًا، وبتاريخ مستقبلي، ويمكن للمتداولين استخدام العقود الآجلة في البورصات المنظمة لشراء أو بيع بيع عملة الإيثر.
عقود الخيارات
تمنح عقود الخيارات المتداولين الحق ولكن ليس الالتزام بشراء أو بيع الإيثيريوم بسعر وتاريخ محددين مسبقًا في المستقبل، ويمكن للمتداولين استخدام عقود الخيارات للحماية من مخاطر الهبوط، أو لربح من تحركات الأسعار، ويمكن تداول العملات الرقمية عبر عقود الخيارات في البورصات المنظمة.
استراتيجيات تداول الإيثيريوم
بشكل عام يُتداول الإيثريوم بنفس الطريقة التي تُتداول بها العملات الرقمية الأخرى، وربما العملات التقليدية أيضًا، إذ يُمكن تداولها بالاستفادة من إحدى الاستراتيجيتين التاليتين:
إستراتيجية الشراء والاحتفاظ
تعد الاستراتيجية الأولى في تداول الإيثيريوم هي الاحتفاظ بالشراء والانتظار، أو Buy & Hold، وهي طريقة شائعة للتعامل مع الأسهم والمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة. ويتم ذلك عن طريق فتح حساب ومحفظة في إحدى منصات التداول المعروفة وإيداع مبلغ الاستثمار سواء كان عملة إيثيريوم ETH أو عملة أخرى. ومن ثم يُشترى ويُحتفظ به لفترة طويلة حتى يصل إلى قيمة أعلى، ثم يُباع لجني الأرباح من الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع. ومع ذلك، يجب أن يكون المستثمر على علم بمخاطر الاستثمار والتأثيرات السلبية التي يمكن أن تنشأ عندما يحدث العكس.
استراتيجية التداول النشط
الاستراتيجية الثانية في الاستثمار هي تداول العملات النشط، أو Active Trading، والتي تتضمن تداول الإيثيريوم مقابل عملة أخرى، سواء كانت عملة تقليدية أو رقمية، باستخدام عقود الفروقات السعرية CFDs. وهذا يشبه تداول الذهب والنفط عبر أغلب شركات الوساطة التي توفر هذه الخدمة الآن، وقد أصبح تداول الإيثيريوم متاحًا الآن عبر منصات الميتاتريد الأكثر شعبية في بعض الشركات، ويمكن التداول عليه باستخدام الرافعة المالية.
ختامًا، الإيثريوم عبارة عن منصة لامركزية تُمكّن المطورين من بناء تطبيقات لا مركزية، وتشغيل العقود الذكية على شبكة آمنة وشفافة، وتوفر تقنية البلوكتشين الخاصة بها، وعملتها المشفرة الأصلية الإيثر أساسًا لجيل جديد من التطبيقات والخدمات اللامركزية.