استراتيجيات الاستحواذ سلاح الشركات العملاقة للتوسع والسيطرة

في عالم الأعمال الديناميكي، تُعدّ عمليات الاستحواذ والاندماج ظاهرة هامة تُعيد رسم خريطة الشركات وتُشكل مسارات جديدة للصناعات. في هذا المقال، سنذهب في رحلة عبر عالم الاستحواذات، ونُسلط الضوء على مختلف جوانبها، بدءًا من تعريفها ودوافعها، مرورًا بأنواعها وخطواتها، وصولًا إلى تأثيراتها على الشركات والاقتصادات، مع أمثلة عن أشهر الاستحواذات العالمية.

تعريف استحواذات الشركات

الاستحواذ هو عملية استراتيجية مؤسسية تقوم فيها شركة بشراء شركة أخرى، وتصبح بذلك مالكة لأصولها وإدارتها، وتُعرف الشركة التي تقوم بالاستحواذ باسم "الشركة المستحوذة" بينما تُعرف الشركة التي يتم الاستحواذ عليها باسم "الشركة المستهدفة"

تختلف دوافع الاستحواذ من شركة لأخرى، وتشمل بعض الأسباب الشائعة:

  • التوسع، حيث تسعى الشركة إلى توسيع نطاق أعمالها من خلال دخول أسواق جديدة أو الحصول على منتجات، أو خدمات جديدة.

  • الحصول على ميزة تنافسية، إذ ترغب الشركة في القضاء على منافس، أو الاستحواذ على حصة أكبر من السوق.

  • وقد تسعى الشركة أيضًا للحصول على تقنيات، أو مواهب جديدة من الشركة المستهدفة.

  • التحسينات الضريبية حيث قد تسعى الشركة المستحوذة إلى الاستفادة من هيكل ضريبي أكثر ملاءمة للشركة المستهدفة.

أنواع الاستحواذات

هناك أنواع مختلف من الاستحواذات والتي تشمل:

  • الاستحواذ الكامل الذي فيه تقوم الشركة المستحوذة بشراء جميع أسهم الشركة المستهدفة.

  • الاستحواذ الجزئي من خلاله تقوم الشركة المستحوذة بشراء جزء من أسهم الشركة المستهدفة، بينما يظل باقي المساهمين المالكين للشركة.

  • الاندماج وهو أحد أنواع الاستحواذات وفيه تتحد شركة مع شركة أخرى لتشكيل كيان جديد.

خطوات عملية الاستحواذ

مما يجب معرفته أن كل عملية استحواذ هي عملية فريدة من نوعها، وقد تختلف بعض التفاصيل بناءً على حجم الشركة المعنية، وتعقيدها، ولكن على أية حال هناك مراحل تتمثل فيما يلي:

التقييم وتحليل الفرص

تبدأ رحلة الاستحواذ بتحديد شركة مستهدفة تتوافق مع أهداف الشركة الراغبة بالاستحواذ، حيث تتطلب هذه المرحلة تحليلًا دقيقًا لقطاع السوق، وتحديد الشركات المناسبة من حيث الحجم، والموقع، والمنتجات أو الخدمات، والموارد المالية.

وبمجرد تحديد الهدف تبدأ عملية التقييم المالي التي تهدف إلى تحديد القيمة الحقيقية للشركة المستهدفة، إذ تشمل هذه العملية تحليل البيانات المالية، وتقييم الأصول والمخاطر، واستخدام أساليب تقييم مختلفة مثل القيمة الدفترية، أو القيمة السوقية، أو التدفقات النقدية المخصصة.

التفاوض وإبرام الاتفاق

بعد إتمام عملية التقييم تُعبّر الشركة المستحوذة عن رغبتها في الاستحواذ عبر تقديم عرض رسمي يتضمن عادة سعر السهم، أو القيمة الصفقة الإجمالية، وشروط الدفع، وبنية الملكية المستقبلية للشركة المستهدفة.

ثم تبدأ مفاوضات مكثفة بين ممثلي الشركتين للوصول إلى اتفاق مرضٍ للطرفين، تتناول هذه المفاوض مختلف بنود الاتفاق بما في ذلك السعر، وطرق الدفع، وهيكل الإدارة المستقبلية، وجداول زمنية للاندماج.

ثم تّتوج عملية التفاوض بإبرام اتفاقية الاستحواذ وهي وثيقة قانونية تُلزم كلا الطرفين بشروط الصفقة، وتُحدد الاتفاقية جميع التفاصيل المتفق عليها بما في ذلك السعر، وطرق الدفع، وجداول زمنية للاندماج، والالتزامات ما بعد الاستحواذ.

الموافقات والإجراءات القانونية

قد تتطلب بعض عمليات الاستحواذ موافقة من جهات تنظيمية حكومية، مثل هيئة مكافحة الاحتكار، أو الجهات الرقابية المالية، إذ تهدف هذه الموافقات إلى ضمان عدم حدوث احتكار، أو ممارسات غير عادلة في السوق.

وفي حال كانت الشركات المستهدفة شركة مساهمة عامة يلزم الحصول على موافقة غالبية المساهمين على عملية الاستحواذ، وفي سبيل ذلك تعقد اجتماعات عامة للمساهمين لشرح تفاصيل الصفقة، والتصويت على الموافقة.

بعد الحصول على جميع الموافقات اللازمة يتم إتمام الإجراءات القانونية لنقل ملكية الشركة المستهدفة إلى الشركة المستحوذة، وتشمل تلك الإجراءات تسجيل الصفقة بشكل رسمي، وتحديث السجلات القانونية للشركتين.

الاندماج والتكامل

هذه هي المرحلة الأخيرة في الاستحواذ حيث يتم دمج الشركتين رسميًا في كيان واحد، قد يتضمن ذلك دمج الإدارات والنظم، والعلامات التجارية، والعمليات.

ثم تأتي مرحلة التكامل التي تكون مرحلة حاسمة لضمان نجاح عملية الاستحواذ على المدى الطويل، حيث تتطلب عملية التكامل دمج ثقافات الشركتين، وتحسين كفاءة العمليات، وتحقيق التآزر المتوقع من الصفقة.

تأثير عمليات الاستحواذ

تختلف حدة التأثيرات المذكورة أدناه بناءً على حجم الشركات المعنية وخصائصها:

التأثيرات المالية

قد تؤدي عمليات الاستحواذ إلى توسيع نطاق أعمال الشركة المستحوذة، مما قد يُترجم إلى زيادة في الإيرادات والأرباح، وقد يُتاح للشركات الدخول إلى أسواق جديدة، أو منتجات أو خدمات جديدة مما قد يقلل من مخاطر ويُعزز تنوعها.

وعبر دمج العمليات وتقليل التكرار قد تحقق الشركات المستحوذة وفورات في التكاليف، وتحسينًا في الكفاءة التشغيلية.

وقد تستخدم عمليات الاستحواذ لزيادة الرافعة المالية للشركة، مما قد يعزز عائدات المساهمين على المدى القصير.

التأثيرات على العملاء

من الممكن أن تسبب عمليات الاستحواذ تغييرات في أسعار المنتجات، أو الخدمات بالأخص إذا كانت الشركة المستحوذ عليها تقدم منتجات أو خدمات منافسة، أو قد تتغير جودة المنتجات، أو الخدمات بعد عملية الاستحواذ، وبالتالي قد يتأثر العملاء إما إيجابًا، أو سلبًا بعد عمليات الاستحواذ نظرًا إلى التغييرات التي حدثت.

التأثيرات على المنافسين

قد تُتيح الاستحواذات للشركات الدخول إلى أسواق جديدة مما قد يُهدد حصص السوق للمنافسين الحاليين.

بالإضافة إلى ذلك قد تحفز عمليات الاستحواذ على الابتكار من خلال دمج الموارد، والتقنيات من الشركات المختلفة.

هل تعتبر عمليات الاستحواذ فرصة لملاك اسهم هذه الشركات؟

نعم تشكل عمليات الاستحواذ فرصًا محتملة لمُلاك أسهم الشركات المستهدفة وذلك من خلال:

زيادة قيمة الأسهم

في معظم الاستحواذات تُقدم الشركة المستحوذة سعرًا على أسهم الشركة المُستهدفة يفوق قيمتها السوقية الحالية، وهذا بدوره يحقق لملاك الأسهم ربحًا رأسماليًا فوريًا عند بيع أسهمه.

ونظرًا إلى أن عمليات الاستحواذ تهدف إلى خلق كيان أقوى مع إمكانيات نمو أكبر، فقد تؤدي إلى ارتفاع قيمة السهم على المدى الطويل لمُلاك الأسهم الذي يحتفظون بأسهمهم.

تنويع الاستثمارات

في بعض حالات الاستحواذ قد يتم دمج الشركتين، وإصدار أسهم جديدة للمُلاك في الشركة المندمجة، ويتيح ذلك للمُلاك الحصول على حصة في شركة أكثر تنوعًا مع إمكانيات نمو متنوعة، فهم يحصلون عبر ذلك على فرص للاستثمار في مجالات جديدة لم تكن متاحة لهم سابقًا من خلال شركتهم الأصلية.

فوائد مالية إضافية

قد تُقدم بعض الشركات المستحوذة أرباحًا إضافية للمُلاك كجزء من شروط الاستحواذ، وفي بعض الحالات قد يحصل الملاك على مزايا أخرى مثل خيارات الأسهم، أو مقاعد في مجلس إدارة الشركة المُندمجة.

أشهر عمليات الاستحواذ العالمية

يشهد عالم الأعمال باستمرار عمليات استحواذ اندماجية ضخمة تُعيد رسم خريطة الشركات وتُحدد مسارات جديدة للصناعات.

في هذه الجولة، سنتعرف على أشهر عمليات الاستحواذ العالمية، ونحلل دوافعها وتأثيراتها البارزة على مختلف القطاعات.

اندماج عملاقي صناعة الأدوية (2019)

في ذلك العام حدثت صفقة اندماج بين شركتي فيون الفرنسية، وأكزولين السويسرية بقيمة 88 مليار دولار أمريكي، وكان الهدف خلق شركة أدوية عالمية رائدة ذات إمكانيات بحثية هائلة، وكان لهذا الاندماج تأثير أدى إلى تكوين ثالث أكبر شركة أدوية في العالم من حيث الإيرادات، مع توسيع نطاق تواجدها في أسواق جديدة.

صفقة اندماج عملاقي النفط (2017)

اندمجت الشركتين الأمريكيتين إكسون موبيل، وموبيل وكانت القيمة 350 مليار دولار أمريكي، وكان ذلك بهدف تعزيز القدرة على المنافسة في ظل انخفاض أسعار النفط، وخفض التكاليف، وأدى هذا الاندماج تكوين أكبر شركة نفطية في العالم من حيث احتياطيات النفط والإنتاج، مع تحسين كفاءة العمليات.

استحواذ عملاق الاتصالات على إمبراطورية الإعلام (2016)

عُقدت صفقة الاستحواذ بين شركتي أيه تي أند تي الأمريكية وتايم وارنر الأمريكية ووصلت قيمة الصفقة 108.7 مليار دولار أمريكي، وكان الدافع وراء ذلك الدخول إلى محتوى الوسائط المتعددة، وتعزيز قدرات الشركة في مجال الترفيه، وأدى إلى تكوين شركة عملاقة في مجال الاتصالات والترفيه مع إمكانية تقديم خدمات وتجارة جديدة للعملاء.

استحواذ عملاق التكنولوجيا على منصة التواصل المهني (2016)

من خلال هذه الصفقة استحوذت شركة مايكروسوفت الأمريكية على شركة لينكد إن بقيمة 26.2 مليار دولار أمريكي وكان الهدف من ذلك جميع البيانات، وتحسين قدرات الشركة في مجال التوظيف وإدارة علاقات العملاء، وكان له تأثير كبير في تعزيز مكانة مايكروسوفت في مجال الأعمال، وتقديم قيمة أكبر للمستخدمين من خلال دمج البيانات والخدمات.

استحواذ شركة أدنوك على الفا ظبي (2024)

أعلنت شركتا أدنوك للحفر، وألفا ظبي القابضة المدرجتين في سوق أبوظبي للأوراق المالية، عن مشروعها المشترك شركة إينرسول حيث وقعت اتفاقية للاستحواذ على حصة إضافية بنسبة 42.206 بالمئة في شركة جوردون تكنولوجيز مقابل ما يقارب 270 مليون دولار لتصبح إنرسول مالكة لحصة أغلبية في الشركة.

وكان لهذا الاستحواذ دوافع أهمها تعزيز التحول الرقمي حيث سعت أدنوك للحفر من خلاله إلى دمج خبراتها في مجال العمليات والتقنيات مع خبرات ألفا ظبي في مجال الاستشارات التكنولوجية لتطوير حلول ذكية لعملياتها.

فقد رأت إدنوك أن الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، وبالأخص الذكاء الاصطناعي ضروري للحفاظ على قدرتها التنافسية في عالم يتغير بسرعة.

حيث تركز الشركة المنبثقة عن هذا الاستحواذ على تقديم حلول ذكية متقدمة لقطاع النفط والغاز مستفيدة من خبرات الشركتين المؤسستين.

وبناءً على ما ذُكر يعتزم المشروع المشترك بعد حصوله على الموافقات الرسمية من الجهات المعنية الاستثمار في الشركات الموفرة لخدمات حقول النفط المدعومة بالحلول التقنية، أو الاستحواذ عليها مما يسهم في رفع قيمة الشركة في السوق، وتعزيز كفاءتها التشغيلية.

ومما لا شك فيه أن نجاح المشروع في تحقيق أهدافه المتمثلة في دعم تطلعات الإمارات العربية المتحدة الطموحة لضمان أمن الطاقة، والتنويع الاقتصادي الذي سيكون المحرك الأساسي للعديد من قرارات الاستثمار.