الذهب يحقق مكاسب قياسية متجاوزًا الأسهم ليصبح الاستثمار الأكثر جاذبية في 2024

حقق الذهب قفزة نوعية غير مسبوقة هذا العام، حيث لامس أعلى مستوى تاريخي له عند 2772 دولارًا للأوقية خلال الأسبوع الماضي، وشهد المعدن الأصفر ارتفاعًا ملحوظًا في 6 من أصل 7 أسابيع، مؤكدًا بذلك مكانته كملاذ آمن للاستثمار في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية.

حيث ارتفعت قيمة الذهب بنسبة 33% خلال العام الجاري، متجاوزًا بذلك أداء مؤشر ناسداك 100 بفارق 10 نقاط مئوية، وتشير هذه الأرقام الواردة في تقرير ل "بيزنس إنسايدر" إلى تفوق ملحوظ للذهب كأحد أفضل الخيارات الاستثمارية هذا العام.

فمنذ انطلاق موجة الصعود في أسواق الأسهم في أكتوبر 2022 حافظ الذهب على أداء متفوق، فقد حقق عائدًا استثنائيًا بلغ 67% متجاوزًا بذلك مؤشر S&P 500 الذي سجل عائدًا قدره 63% وفقًا بيانات YCharts، وهذا الأداء القوي يثبت مكانة الذهب كأحد أفضل الخيارات الاستثمارية على مستوى العالم.

عوامل جعلت الذهب متفوقًا من حيث العائدات

لطالما كان الذهب ملاذًا آمنًا للاستثمار إلا أن أدائه الاستثنائي في الفترات الأخيرة أثار اهتمام المستثمرين، فما هي العوامل التي ساهمت في تفوق المعدن الأصفر على العديد من الأصول الأخرى من حيث العائدات.

ارتفاع الطلب من البنوك المركزية

أصبحت البنوك المركزية محركًا رئيسيًا لسوق الذهب العالمي خلال السنوات القليلة الماضية، حيث اشترت هذه المؤسسات المالية كميات كبيرة من الذهب، ليبلغ إجمالي مشترياتها في النصف الأول من هذا العام 483 طن، وتعتبر تركيا، والهند، والصين من أبرز الدول التي ساهمت في هذا الارتفاع القياسي عبر الطلب على الذهب، وذلك حسب ما أورده مجلس الذهب العالمي.

وأحد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع الطلب على الذهب هو سعي العديد من الدول إلى تنويع احتياطياتها النقدية بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الدولار الأمريكي.

وتوقع بنك غولدمان ساكس في تقرير الأخير استمرار الزيادة القوية في مشتريات البنوك المركزية من الذهب، وأرجع البنك سبب هذا التوجه إلى المخاوف المتزايدة بشأن العقوبات المالية الأمريكية، والديون السيادية الأمريكية، وتوقع البنك استمرار هذا الاتجاه في المستقبل القريب.

كما دفعت الحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا العديد من الدول نحو إعادة تقييم سياساتها النقدية عبر البحث عن وسائل تُقلل من اعتمادها على الدولار الأمريكي، وذلك خوفًا من التعرض لعقوبات مماثلة في المستقبل، ونتيجة لذلك زياد الطلب على الذهب كون من الأصول الآمنة التي يمكن استخدامها لتنويع الاحتياطيات.

ويرى الخبير الاقتصادي محمد العريان أن هذه الديناميكية تستدعي متابعة دقيقة من جانب الولايات المتحدة.

وفي مقال رأي نُشر في صحيفة فايننشال تايمز أشار الخبير العريان إلى أن الارتفاع المتواصل في أسعار الذهب يعكس اتجاهًا متناميًا بين الصين والدول الناشئة.

كما أشار العريان إلى وجود اهتمام متزايد بدراسة بدائل لأنظمة الدفع المرتكزة على الدولار الأمريكي، والتي شكلت العمود الفقري للنظام الدولي على مدار الثمانين عامًا الماضية.

ونجحت روسيا في تجاوز الصعوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها العقوبات الأمريكية الواسعة النطاق عام 2022، وهذا ما شكل عامل مشجع لدول أخرى اتبعت نهج مماثل لتقليل اعتمادها على الدولار، وهذا التحول قد يعزز من أهمية الذهب كأصل آمن.

تصاعد التوترات الجيوسياسية

لطالما كان الذهب ملاذًا آمنًا للمستثمرين بفضل تاريخه الطويل كحافظ للقيمة، لذلك وفي ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة عالميًا من حرب أوكرانيا إلى التوترات في الشرق الأوسط والتهديدات الصينية على تايوان، يزداد الإقبال على الذهب كأحد أهم الاستثمارات للحفاظ على الثروات في أوقات الأزمات.

بالإضافة إلى ذلك، إن الارتفاع المتزايد في الدين العام الأمريكي يعني أن سندات الخزانة التي تعد أصل تاريخي آخر من الملاذ الآمن قد لا تكون خالية من المخاطر بعد الآن.

وأشار بنك أوف أمريكا في مذكرة الشهر الحالي إلى أن الذهب بات الملاذ الآمن الأخير للمستثمرين، مما دفع البنوك المركزية بالإضافة إلى المتداولين إلى زيادة حيازاتهم منه.

تجارة ترامب

مع ارتفاع احتمالات فوز الرئيس السابق ترامب في الانتخابات الأمريكية اكتسبت تجارته زخمًا مؤخرًا، وكان الذهب من أكبر المستفيدين، وذلك لأن رئاسة ترامب المحتملة من المتوقع أن تكون مصحوبة بعجز حكومي مرتفع، ونمو سريع للديون، وهذا ما من شأنه أن يزيد من المخاوف بشأن ارتفاع التضخم واستدامة الدولار الأمريكي.

حتى إذا لم يفز ترامب بالانتخابات فمن المرجح أن يزداد العجز، مما يدفع الذهب لتسجيل المزيد من المكاسب، وذلك حسب ما قال كبير الاستراتيجيين لدى شركة "Interactive Brokers" ستيف سوسنيك.

أسعار الفائدة

تشير البيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي إلى وجود علاقة مباشرة بين انخفاض أسعار الفائدة وارتفاع سعر الذهب اليوم ففي المتوسط شهد الذهب ارتفاعًا بنسبة 10% خلال الأشهر الستة التي تلت أول خفض لسعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.

كما تساهم التوقعات بخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بشكل متكرر خلال العام القادم في تعزيز أسعار الذهب.

 وعلى الرغم من ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى أعلى مستوى لها منذ يوليو الماضي عقب قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الذهب، إلا أن سعر الذهب واصل الصعود، وهذا يشير إلى أن المستثمرين في الذهب ينظرون إلى الصورة الكبيرة فهم أكثر تركيزًا على الاتجاه العام لأسعار الفائدة عالميًا، حيث تتجه البنوك المركزية نحو سياسات نقدية أكثر تيسيرًا.